تجربة البلقان والمساهمين فيها ...
| | 11-05-2016

طلعت يافوز

 

أعتقد جازما أنه على تلك الجغرافيا البعيدة أن تتخلص من واقعها الأليم وأن تستعيد وعيها على طريق الخلاص لتقدم للعالم مستقبلاً زاخراً بمعاني الإنسانية والإسلام السامية. إذاً، ماذا يعني هذا، لماذا نحن بحاجة إلى مثل هذا الأمر، هل هذا الأمر خيالي أو مدينة فاضلة ليس له في هذا الزمان ما يناسبه، هل من الممكن أن يحدث من جديد، هل هو من الضروري أن يحدث؟ وكيف لنا أن نقوم بهذا العمل؟ سنقوم الآن بتحليل هذا الأمر والإجابة عن هذه الأسئلة عبر دراسة تجربة البلقان.

لقرون عديدة حكم الإسلام والمسلمين بلاد البلقان عن طريق الدولة العثمانية التي حافظت على تواجدها في تلك البلاد وتركت لها طابعاً مميزاً فيها، وبإمكاننا أن نرى بوضوح هذا الأثر وهذا الترابط عندما نرى أن الدولة العثمانية حكمت تلك البلاد من صربيا إلى الجبل الأسود، من البوسنة والهرسك إلى بلغاريا ورومانيا، من اليونان إلى مقدونيا، من كرواتيا إلى سولوفينيا وألبانيا.

بالطبع فإنه ليس من المنطق وضع نفس الإستارتيجيات ونفس الأهداف التي تم تبنيها في الماضي البعيد، فقط هي الوسائل والدراسات العلمية التي من الممكن  لها أن تكشف عن طبيعة البيئة الحالية والظروف التي نعيش فيها، حتى أن محاكاة الماضي في بعض الأحيان من الممكن أن يسقط الدراسات في وحل الركود.

في الشتاء لا تذبل النباتات ولا الأشجار، فهي تنتظر الربيع والصيف حتى تثبت أنفسها من جديد، حتى تظهر للجميع أنها قادرة على الوقوف وعلى مواصلة الإنتاج، وعندما يأتي الزمان المناسب تعود وكأنها قد بعثت من جديد وتهدي ثمارها للمكان الذي تحيا فيه بل للعالم أجمع.

بلاد البلقان أظهرت أنها تحمل مثل هذه الأخبار السارة نحو الإشراق والصعود، وهذه الطاقة الممكنة التي تملكها هذه البلاد لا يمكن لها أن تؤديها بسهولة فهي بحاجة ماسة إلى الدعم والإسهامات، وأخوتنا الملهمون بالروح الجماعية التي يمتلكونها قاموا بتبني العديد من القيم والمثل والأفكار لرسالتنا السامية التي حصلنا عليها من تاريخنا المجيد، هؤلاء الإخوة الذين يحملون عبئاً كبير ألقي على عاتقهم من التاريخ فهم مثل الذي يقوم بدور الأخ الأكبر، هذا الدور الذي قاموا بتصميمه بأنفسهم ومشوا وواصلوا السير فيه دون الحاجة لأحد رغم كل الصعوبات.  

 عندما لا يتم تأدية ما كان قد خطط له بشكل جيد تصبح في هذه الحالة الأمور أصعب بكثير بل قد تؤدي إلى حالة من الضياع والتشتت، وفي نفس الوقت فإن هذه الدراسات الطوعية تطرح عدداً من الأسئلة التي إن اجتمعت مع بعضها البعض قد تؤدي بنا إلى طريق مسدود يوصلنا إليه ثلة من أهل الشر الذين لا يرون إلا السلبيات والعثرات، وعلاوة على ذلك فإن مثل هذه الأمور تجلب غضب بعض المجتمعات في المنطقة التي من المحتمل أن تتصرف بعدائية في مثل هذه الأمور.

في بداية ومنتصف القرن الماضي، كان تأثير القوى الإمبريالية الدولية على القطاعات السياسية والثقافية والإقتصادية والإجتماعية كبير، هذا التأثير الذي صنعته المؤسسات والمنظمات الدولية خصوصاً في منطقة البلقان وفي الدول التي تم استبدالها والمجتمعات التي تم القضاء عليها. وفي المقابل فإن الدول الناشئة لم تستطع تحقيق نظام مترابط ومنسجم ولم تستطع أن تنشر السلام في هذا العالم، وخصوصاً في دول البلقان، هذه البلدان التي استمرت فيها النزاعات والتفككات.

 واليوم، فإن ما تبحث عنه الشعوب هو تحقيق حلم السلام الذي افتقدوه في القرن المنصرم، حتى وإن لم ينعموا بمثله من قبل تبقى الشعوب تفضل أن تحيا في سلام وأمن وأمان ورخاء واسترخاء، والرفض لمثل هذا السلام لا يأتي من القواعد ولا الجذور كما هو معتقد وإنما يأتي من المشاكل السياسية والإجتماعية التي تم اختلاقها في هذه الأيام وفي رأيي أنه لإنجاز ما هو مأمول وتأكيد حلول لهذه المشاكل لا يعني بالدرجة الأولى أننا بحاجة إلى اكتشاف كبير، فهناك أبعاد شعبية، اقتصادية، سياسية، ثقافية، اجتماعية مرتبطة في هذا الموضوع، وإن الخطوات التي يجب أن تؤخذ بعين الإعتبار لإنجاز ما هو مأمول بحاجة إلى قراة جيدة للواقع الذي نعيش فيه. المهمات التي يجب أن تنجز لا يجب أن تكون كموقع بناء في أرض فارغة، نحن بحاجة إلى شراكة في منطق العمل لتحل محل اغتصاب المسئوليات والأعمال، يجب علينا القبول بمنطق ما هو متوفر، قد يعجبنا ذلك أو لا ولكن كما هناك جوانب إيجابية هناك سلبية أيضا. .

يمكنني القول أن مشروع جسر الإخوة لأولاد الفاتحين  Evlad-I Fatihan Kardeşlik Köprüsü الذي قامت عليه مؤسسة الأتراك والمجتمعات القريبة في الخارج Yurtdışı Türkler ve Akraba Toplulukları تحت رعاية رئاسة الوزراء التركية وعدة مؤسسات في مدينة قونية وعدد من منظمات المجتمع المدني التي مثلت كل دول البلقان يعتبر مشروع بالغ الأهمية للدلالة على العمل المشترك.

 أتمنى أن أشارككم فوائد هذه الدراسات في مقال قريب إن شاء الله ...