من إعلام الترفيه إلى سينما التأمل ...
| | 11-05-2016

معمر كرمان

 

 

المهارة الأصعب في هذا العالم هي القدرة على أن تجعل الإنسان يواجه سؤال لماذا أنا موجود،  الفن هو أعظم وسيلة لتحقيق ذلك، السينما هي الطريقة الأحدث وربما الأصعب بل والأكثر موهبة بين فروع الفن. السينما هي أيضا الأكثر قدرة على طرح الأسئلة العبقرية والحصول على إجابات بسهولة لأنها قادرة على الوصول بسهولة إلى كل طبقة من طبقات المجتمع نظراً للغتها الغنية، حيث أن السينما أيضاً لديها الإمكانية لتقديم نظرة في جوانب كثيرة ومختلفة وليس من جانب واحد فقط. كل إطارفي هذا الفن من الممكن أن يشكل مساماً للإنفتاح على هذه الحياة؛ كل تسلسل فيها من ممكن أن يكوّن تشكيلاً وجوديا، كل كلمة قد تكون إسقاطاً صحيحاً عن الواقع. السينما ليست الفن الذي يحكي فقط قصة من قبل "اللغة المنطوقة"، ولكنها أيضا الفن الذي يصف البعد الروحي عن طريق لغة الجسد، إنها الفن الذي يأخذ بيد الجمهورإلى المعنى الحقيقي وراء الستار من خلال دعوتها التلقائية التي تخرج لهم من مختلف الزوايا لتصل إلى مختلف الطبقات والمستويات.الفيلم هو الذي يعمل في بعض الأحيان على إصلاح العقل البشري، وأحيانا يعمل مثل مجبر العظام الذي يقلل من الآلام والأوجاع وأحياناً كجدول ماء يغسل بقايانا من أعلاها إلى أدناها، مع كل هذه الخصائص، السينما هي لغة غنية من لغات النضال من أجل الوجود الإنساني والثقافة والمجتمعات، السينما الهادفة الكاملة هي الحلم الأجمل على الإطلاق الذي يمكن للمرء أن يحلمه.

في هذه الفترة من الزمن التي تحكم فيها ثقافة أنا أرى إذاً أنا موجود، في حين يفترض أن الكاميرا هي مرآة للواقع تجد الكثير يرتمي أمام الكاميرا لينشر صورته بسرعة على وسائل الإعلام الاجتماعي يعني أن الناس أصبحت مهووسة إلى أن تكون مرئية بطرق سهلة ورخيصة الثمن، والتخلي عن هذا الأمر أصبح أمراً ليس سهلاً البتة. في هذه الأيام نجد أيضاً أن التلفزيون والسينما قد أصبحا أداة لدى الجهات الفاعلة الرئيسية في لعبة الرأسمالية والاستغلال، وجهاز دعاية غير مشروط لديها، وذراع طويل عند الإمبريالية الثقافية. اليوم أصبحت مسألة كم من الناس ينظرإليك على وسائل التواصل الإجتماعي موضع حسابات لدى الجميع، وأصبحت ثقافة النسخ الإحتياطية أكثر أهمية لدى الإنسان من ثقافة العمل الجماعي، التركيز صار بشكل كبير في ثقافة الأنا وأصبحت ثقافة النحن في تراجع بهدف تجنب دفع الثمن في عالم أشرفت على إنتاجه العولمة التي جاءت من الحضارات الغربية على أساس أخلاق ما بعد الحداثة التي تسعى من خلالها أن تتشابه كل شوارع العالم وأن تتوحد كل الوجوه عبر ارتداء أقنعة بمواد تجميلية متشابهة، والتي خلقت حالة من النفور بين شبابنا وأنفسهم، ليس ذلك فحسب بل سيق شبابنا إلى الدرجة التي أصبحوا فيها عبيدا لثقافاتهم.

لذلك فإنه من الضروري علينا أن ندفع باتجاه خروج السينما التركية من الإبداع المحلي فقط إلى الوصول إلى العالمية ن عبر التخلص من ثقافة الإنتاج الهوليوودي التجاري، عبر عرض محتويات تحتوي على حقائق هامة ومواضيع تحتوي على العنصرين الهامين في العمل السينمائي وهو الإثارة والتشويق لتقديم عروض مثيرة للإهتمام حقاً وصاحبة هدف ورسالة في نفس الوقت. لذلك يجب علينا أن نرى أنه من الممكن لحضارتنا أن تتعافى وأن تصبح أكثر نشاطا وازدهارا وتقدماً من خلال صناعة السينما بدلا من أن نكون زبوناً لمنتجات السينما الأمريكية أو مجرد جمهور للسينما الإيرانية والصينية والكورية الجنوبية والأفريقية  واللاتينية، وعلينا أن نرتقي بسينما ننطلق منها من ثقافتنا وأن تكون هذه السينما غنية في محتواها ومؤثرة في معناها في نفس الوقت.

اليوم بالنسبة للسينما التركية فإنها لا يمكن أن تصل إلى مرحلة العالمية لأنها ما زالت تعتمد اللغة المحلية في طرحها، الجميع يتحمل المسؤولية الكبيرة في تحسين وضع السينما لدينا، الذي فتح الطريق للإرتقاء في هذا المجال مع الأسف بقي في منتصف الطريق ولم ينتهي بتحقيق أو إنجاز هذا الهدف، ولذلك فإنها مهمة ذوي العلاقة، مهمة الجميع للإرتقاء بهذا المجال، والمطلوب الآن أن يتم إغاثة قطاع السينما في بلادنا عبر تحديد دقيق لحاجيات السوق الدولي وربطه بالطاقات الموجودة في مجالي الثقافة والفن في بلادنا، وعدم تجاهل أن السينما من الممكن أت تقدم الكثير للعالم عبر تعريف العالم بوجهة نظر المسلمين في هذا المجال عن طريق كسر الهيمنة الثقافية عليها.

مسابقة الأفلام القصيرة الثانية تحت عنوان "المنظمة" التي قمنا بها كنقابة معلمين، والتي قمنا بتنظيمها ليكن لنا على الأقل إسهام حتى ولو كان محدود في تحسين بل وفي الإضافة إلى هذا المجال، لنقوم باستيراد قيمنا الثقافية الغنية ووضعها جنباً إلى جنب مع لغة السينما القوية لنقوم بمنح فرصة لأبنائنا الذين تخرجوا حديثاً. كان هناك كم هائل من المشاركات التي جاءت من أجل المنافسة مع أكثر من مائة فيلم، شاركنا الحضور عددا لا بأس به من السينيمائيين المميزين في هذا العالم المميز وشاركونا في المسابقة كأعضاء لجنة التحكيم، حيث شاركنا الشاعر والمخرج فيصل سويسال، الممثل أولفي ألاجاكابتان، والمؤلف أنورقولشان  الذي لفت الانتباه عبر كتاباته وأفكاره الحقيقية، والمذيع عمر  سامي سويلمي الذي يعد ويقدم أفلام قصيرة و رئيس لجنة الحكم درويش زعيم منهم الذي حصلت عدد من أفلامه على عدد من الجوائز المحلية والعالمية.

المرتبة الأولى في المسابقة كانت من نصيب موتلو كورنالي  بفيلم قصير بعنوان (10) هذا الفيلم الذي استطاع فيه مخرجه أن يصور القدرة العالية على التنظيم وقدرة البراءة على الوقوف في وجه مشكلة اغلاق مدرسة في القرية عبر طفل صغير كان يقوا في الفيلم "أهم ما في النضال هو لحظة إخماد الحريق." بينما جاء فيلم أليف يوكسل تحت عنوان (هذه هي الحياة) في المرتبة الثانية مع قصة مؤلمة، فهي تروي قصة رجل الذي يجمع حقائب النازحين السوريين، الحقائب التي يتم إلقاؤها في البحر والفساتين التي تغسل الشاطئ، هذا الرجل الذي يثير الإنسانية في جميع أنحاء العالم، وجاء فيلم بعنوان (الخميس) الذي أخرجه ميرت أونير وسيتشكن  غوندوز في المركز الثالث مع قصة مستوحاة من حدث حقيقي، يلفت فيها الفيلم الانتباه إلى الوحدة التي يعيشها الناس في المساحات الضيقة في المدن الكبيرة، ويشير أيضاً إلى إلى وحدتهم النفسية، بدون شريك في عالمهم القاتم كما ويظهر تعصبهم الشديد ضد بعضهم البعض. فيلم  (طريق كاتربيلر) الذي أخرجته عائشة نور توبال ومنحت جائزة لجنة التحكيم الخاصة والذي يحكي قصة اثنين من المدرسين واحد منهم يقضي اليوم الأخير من عمره في فصله في حين أن الآخر الذي حل محله ويقضي اليوم الأول مكانه، المخرج يحكي بمهارة في هذا الفيلم قصة اثنين من البشر أصحاب وجهات نظر مختلفة من نفس الأشخاص في نفس المكان بقالب روح بشرية خالص، قامت المخرجة  بتنظيم لمسة من سذاجة من الأجسام الصغيرة التي تعلمت كيف تكون منظمة.وأيضاً تم منح محمد توباس الجائزة الشرفية على فيلمه (التربة) الذي يحكي قصة فتاة تنتقم من عدم وفاء أبناء القرية لها،  كما منحت نورالله أوزدمير أيضا جائزة شرفية عن فيلمها الذي كان بعنوان فيلمه بعنوان (اللغة) الذي يصور خريطة العالم من خلال الكلمات والجمل عبر لفت الانتباه إلى حقيقة أن كل اللغات في هذا العالم هي آية  من آيات الله.

   
وأود أن أشكرمن جديد جميع أعضاء لجنة التحكيم، وشكري أوجهه أيضاً إلى أكثر من ألف عامل سينما الذين حضروا إلى نقابتنا والشكر خاصة لجميع أصدقائنا الذين شاركونا، وأود أن أهنئ إخواني وأخواتي الذين فازوا بالجوائز وأتمنى لهم جميعا النجاح والتوفيق بشكل دائم.