كن معطاءاً في عالمٍ نحن مهاجرون فيه ...
| | 11-05-2016

علي يالتشين

 


في هذه الأيام التي يقسو فيها الحكام الظالمين على أبناء وطنهم، في هذه المرحلة الحساسة التي تكثر فيها الحروب والويلات التي جعلت الناس تظن أن ترك الوطن والهجرة هو الخيار الأكثر أمانا. في السنوات الأخيرة رأينا أن هذه الظاهرة هي أكثر إنتشارا في بلاد العالم الإسلامي، حيث وصل الأمر بمعظم الناس أن يفكروا بأن السبيل الوحيد للخلاص هو ترك منازلهم وأراضيهم والهجرة إلى الأراضي أكثر أمنا. أي رجل في بلادنا اقترب عمره من الخمسين سيكون قد عاصر عدة هجرات إلى بلادنا من إيران، أفغانستان، بلغاريا، البوسنة والهرسك والشيشان والعراق وقد استقبلنا هؤلاء المهاجرين وجلسنا معهم وتحدثنا معهم، واليوم لدينا حدود طويلة مع جارتنا سورية وتاريخنا مع هذه البلاد يمتد لفترة أطول، وبسبب الأحداث التي تجري هناك، فإن الهجرة من سوريا  إلى أراضينا أصبحت أكبر وأكثر كثافة من معظم الهجرات السابقة.


وقد بلغ عدد السوريين المهاجرين المسجلين، الذين يفرون من الطغيان والقسوة من دكتاتور مجرم ومن حرب لا ترحم خمسة ملايين مهاجر. يبلغ تعدادهم في تركيا أكثر من عددهم في البلدان الأخرى مجتمعة. حيث أنه اعتبارا من 17 فبراير 2016، بلغ عدد المهاجرين السوريين على الأراضي التركية  2 مليون و 620 ألف و553 مهاجر، وهم من المهاجرين السوريين المسجلين فقط، حيث أن الأرقام الحقيقية أعلى من ذلك بكثيرفإذا أضفنا المهاجرين غير المسجلين لعدد المهاجرين المسجلين، سوف نلحظ أرقام أعلى من ذلك بكثير.


الهجرة القسرية من سوريا تجاه بلدنا بدأت في عام 2011، وتم قبول هؤلاء المهاجرين كضيوف في بداية الأمر، ولكن بسبب الأعداد المتزايدة من المهاجرين، تم استخدام بعض بعض قوانين الحماية المؤقتة الأوروبي، حيث تم تصنيف تواجد الإخوة السوريين في بلدنا تحت وضع حماية مؤقت بدلاٍ من مسمى الضيف، حيث أن الإخوة السوريين في بلادنا هم تحت بند الحماية المؤقتة وكافة احتياجاتهم يتم تغطيتها من قبل الدولة، وطبقاً لهذا البند فإنه من المفترض أن الإخوة السوريين سيعودون إلى بلادهم مباشرة بعد انتهاء الحرب الدائرة هناك.


العديد من الاتفاقيات الدولية التي تعتبر بلدنا طرفاً فيها تحمي حقوق طالبي اللجوءو بسبب الالتزامات التي تفرضها هذه الاتفاقيات الدولية، سمحت الحكومة للأطفال والشباب بمواصلة تعليمهم الإلزامي في مراكز تعليمية مؤقتة في المخيمات، ومع هذا فإن الأطفال السوريين والشباب الجامعي الذين لا يعيشون في المخيمات لهم كامل الحق في الإنتساب إلى المدارس والجامعات الحكومية التركية، ومع ذلك لم نصل إلى ما نسبته 100% من إلحاق الأطفال والشباب السوريين في المدارس والجامعات .


جنبا إلى جنب مع تقديم المأوى والرعاية الصحية والمساعدات الغذائية، فإن توفير التعليم لهؤلاء اللاجئين الذي يراعي خصوصية لغتهم وثقافتهم هو أمر بالغ الأهمية. وأهميته تنبع من التقليل من المشاكل الكثيرة التي من الممكن أن تحصل في المستقبل القريب وتضع أساسات قويمة لعلاقة قويمة بين الطالب والمجتمع الذي يعيش فيه. وإننا كأبناء مجتمع ورثنا من أجدادنا قيم حضارية نبيلة فإن العامل الرئيس لموقفنا هذا تجاه إخوتنا المهاجرين هو عامل إنساني صرف اللاجئين علاوة على ذلك، ونحن نعتبر أن هؤلاء المهاجرين السوريين الذين لدينا علاقات تاريخية وثقافية كبيرة معهم إخوتنا وأشقاءنا الذين يمرون بأوقات عصيبة ودورنا هو مساعدتهم والوقوف عند حاجياتهم، على عكس الدول الأخرى الذين يعتبرونهم أعباء أو مشاكل لحدودهم.

الفرضية التي تقول أن هؤلاء المهاجرين لن يتمكنوا من العودة إلى بلادهم في المستقبل القريب هي فرضية واقعية إلى حد ما ولهذا السبب قررت وزارة التربية والتعليم في تركيا أن لا تقبل الطلاب السوريين في المراكز التعليمية المؤقتة الخاصة بالمخيمات وإنما لدمجهم مباشرة في المدارس التركية النظامية. حيث أنه تم ملاحظة عدد من المشاكل المرتبطة بالمراكز التعليمية المؤقتة الموجودة في المخيمات حيث أنه في هذه المخيمات يتم تدريس اللغة التركية عن طريق مدرسين أتراك وباقي المواد الدراسية يقوم بتدريسها معلمون سوريون، وفي المراكز التعليمية أيضاً يتم الإعتماد على المنهاج السوري إلى حد كبير مع بعد التعديلات، ومن الممكن أن نقول أن المعلمين السوريين في هذه المدارس لا يمتلكوا الخبرة أو الكفاءة اللازمة في عملية التدريس، لذلك فإنه من المنطقي القول أن قبول الطلاب السوريين في مدارس تركية نظامية بدلاً من تلك المراكز المؤقتة هو إنجاز عظيم.


أطلقت وزارة التربية والتعليم في تركيا نظام معالجة المعلومات للطلاب الأجانب (FSIPS) وهذا النظام يسمح للسوريون الذين هم تحت بند الحماية المؤقتة أن يقوموا بالتسجيل في المدارس ويتابعوا البيانات المتعلقة بها، مثل الحضور إلى المدرسة ونتائج الامتحانات، حيث أن نظامFSIPS   هو نظام متاح لتوفير الخدمة للطلاب السوريين، يشبه إلى حد كبير نظام المدرسة الإلكترونية.


جنباً إلى جنب مع واجب الضيافة التي تقدمه دولتنا للشعب السوري، شعبنا التركي أيضاً يقوم بالترحيب بهؤلاء الضيوف على طريقته الخاصة، فنحن لا نقوم باستقبالهم كلاجئيين أو ضيوف عاديين وإنما نقوم باستقبالهم على أساس مبدأ المهاجرين والأنصار الذي كان في العصر الذهبي للدولة الإسلامية، فهذه البلاد هي بلاد مشبعة بممارسة الحضارة الإسلامية التي تكتنفها مشاعر الأخوة والرحمة منذ زمن قدوم أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه إلى هذه البلاد، فمنذ ذلك الزمن وسكان هذه البلاد يفتحوا أفئدتهم لاحتضان أي شخص أجبرته ظروفه العصيبة على ترك بلاده وأرضه. لأجل هذا دورنا أن نكون رحماء فيما بيننا للوقوف عند هذه الآلام مجتمعة، أبواب بيوتنا وأبواب قلوبنا يجب أن تكون مفتوحة لتأوي وتداوي هذه الآلام، وها نحن نرى اليوم إخوتنا السوريين وقد استقر بهم الحال في معظم جميع أنحاء تركيا، وإنني وأنا أنظر إلى أحد محافظات دولتنا وهي محافظة كيليس وأجد أن عدد سكانها قد تضاعف ثلاث مرات تقريبا مقارنة بما كانت عليه قبل خمس سنوات، لأفهم بوضوح ماذا كانت تعني عبارة المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار.

إذا وضعنا في الإعتبار تلك النظرات والتصرفات الفردية والمجتمعية التي برزت في الدول الأوروبية تجاه العديد من المهاجرين السوريين فإنني أعتقد جازماً أن الطريقة التي تعامل بها شعبنا التركي العظيم مع المهاجرين السوريين هي مثيرة للإعجاب، في أوروبا خلقوا جواً من الكراهية والخوف من السوريين وليس من الصعب معرفة العوامل النفسية خلف هذه الدوافع الأوروبية فهي إلى حد كبير مرتبطة بالإختلافات الدينية والثقافية، في مجتمعاتهم نرى أنه تحدث بشكل شبه يومي انتهاكات ضد الملاجئين السوريين في بلادهم وما زالوا يعتقدون أنهم بإمكانهم تعليم العالم معنى الإنسانية، حتى من خلال موقفهم من المأساة في سوريا، والتي حملت معها أحداثا ومجازر لا تطاق، فإن تصريحاتهم المتكررة حول الحرية والمساواة وحقوق الإنسان هي محض افتراء وكذب ونفاق. أوروبا فشلت فشلاً ذريعا في إختبار المدنية والحضارة، فشلت بأنانيتها ومواقفها التي زادت من حجم مأساة اللاجئين القادمين إليها، أوروبا التي تركتهم يغرقون على حدودها وشواطئها. واليوم يخافون أن النار التي أشعلوا جذوتها قد تصل إلى حدودهم فاتخذوا بذلك إجراءات غير إنسانية وأنتجوا سياسات غير مناسبة ظانين بذلك أنهم يعالجوا هذه الأزمة، الذي أغرق الطفل آيلان لم تكن أبدا موجات البحر العالية، وإنما كان النفاق الحضاري والكراهية ضد كل ما هو شرقي وإسلامي.


بطبيعة الحال، فإنه ليس من العدل أن تنسب كل هذه السلبية لجميع الشعوب الأوروبية ومع ذلك، فإن الدول الأوروبية  في مجموعها لم تقبل عدد من اللاجئين مثل العدد الذي قبلته الأردن، لا نريد أن نذكر هنا من جديد الأعداد التي قبلتها تركيا، لمنع الهجرة من الدول المجاورة، وخصوصاً من تركيا، قاموا بوضع الأسلاك الشائكة على  جميع حدود الأوروبية الخارجية، وأبعد من ذلك، قامت الدول الأوروبية بوضع تلك الأسلاك بين حدود بعضها البعض، الذي جعل من نظام شينغن نظاماً مفككاً في الواقع.

 
وإننا في نقابة موظفي التربية والتعليم في تركياEğitim-Bir-Sen  وإتحاد موظفي القطاع العام موظفي Memur-Sen  علينا أن نعمل بجد ومسؤولية كوننا نحن من نمثل الأنصار نحو إخواننا المهاجرين القادمين من الأراضي السورية وأن نقف في وجه المؤسسات التي تستخدم لغة النبذ والتهميش لقضيتهم العادلة ومصالحهم لإيقاف ممارسة التمييز والعنصرية ضدهم، وعلينا أيضاً أن نقوم بالوقوف على رأس مسؤولياتنا الإنسانية والإسلامية كأنصار مع إخوتنا المهاجرين، والإحساس بعظيم تلك المسئولية  التي تعلمناها من حضارتنا الراسخة، وأن نقوم  بمد يد العون لهم مع عموم العاملين في نقابتنا، حيث أصبحنا نمتلك السبق في هذا السياق. حيث أننا قمنا بمشاركة العديد من المنظمات مثل  IHH والهلال الأحمرالتركي، ونقابة العمال التركية حكش الذين نعتبرهم شركاء لنا في العمل في العمل الحضاري والإنساني، حيث أننا قمنا يتنفيذ العديد من المشاريع والأعمال الخيرية في هذه كثير من بلدان العالم الإسلامي، فأصبحنا محط ثقة إخوتنا في إقليم أراكان وقمنا بدعم مشاريع الشتاء الدافئ لأهلنا وإخوتنا في سوريا وقامت لجنة المرأة لدينا بتنفيذ العديد من الأنشطة التي تستهدف الأطفال والنساء النازحين وأيضاً قام شباب اتحاد موظفي التربية والتعليم في تركيا بتنظيم معرض صور للفت أنظار العالم حول مآسي المهاجرين وقمنا بإرسال آلاف الكتب للطلاب في كازاخستان ونفذنا مشاريع مياه للإخوة في أفريقيا وأرسلنا مساعدات للإخوة في الفيليبين بعد الإعصار الأخيروقمنا بعمل مشاريع تستهدف الأيتام في الصومال وسوريا والبوسنة والهرسك وأفريقيا الوسطى، اهتمامنا في الأيتام وهؤلاء الأطفال الصغار نابع من شعورنا الكبير بالمسئولية أن ابتسامة طفل يتيم واحد تعني بالنسبة إلينا ابتسامة للعالم أجمع وقمنا ببناء عدد من آبار المياه في أثيوبيا وقمنا بإرسال أضحياتنا إلى إخواننا في كوسوفو وأرسلنا 7000 بطانية و 3000 سرير إلى إخواننا القادمين من عين العرب كوباني وأرسلنا أكثر من مائة وخمسون شاحنة محملة بالغذاء والدواء للتخفيف من احتياجات الأخوة السوريين في حملة قمنا بإطلاقها عبر معظم مدننا ومقاطعاتنا في الجمهورية التركية والتي أظهرت المبادئ الرفيعة والأخلاقيات السامية لعموم أبناء شعبنا ومنظمتنا. وإننا كإتحاد فإن المدرسة التي قمنا ببنائها في مديات تعتبر الأول من نوعها. ويجب أن لا ننسى مساهمات وزارة التربية والتعليم التي أولت اهتماماً كبيراً معنا في هذا المضمار الذين قام متطوعوها بالعمل بشكل كبير لإنجاح العديد من الفعاليات والخدمات في القطاع التعليمي، كما لا أنسى العمل الكبير الذي يقوم به الإخوة المعلمون السوريون والذي أظهر تشكيلهم لنقابة لهم بهذا الشكل السريع إحساساً كبيراً بالمسئولية، حيث أن هذه النقابة باشرت عملها  وبدأت بتنفيذ واجباتها ومسئولياتها وأنشطتهم التربوية والثقافية هي أنشطة تشبه إلى حد كبير أنشطتنا ونحن على اتصال دائم مع المعلمين والمعلمات السوريات في هذا المضمارز

 
وقفنا جنبا إلى جنب مع الناس الذين يمتلكون العقلية التي تسعى إلى تحقيق العدالة الرحمة، الفرد الذي يعمل للخير لا يقدم الخير لمن يشبهه في اللغة أو الدين أو العقيدة، يقدم يد العون دون الالتفات إلى هذه الفوارق المصطنعة، الفرد الذي يرغب في أن يحتضن الكون كله بمشاعر صادقة.

 في هذه الفترة الصعبة التي فيها بلادنا ومنطقتنا، نحتاج بشدة إلى مبدأ الأخوة كقيمة تقربنا من بعضنا البعض، وتوحد أهداف العاملين في مجال التعليم من أجل تحقيق الغاية الكبيرة والهدف التي صيغت من أجله.


وآمل مخلصاً أن تكون مشاعر الأخوة والتضامن هي المكون الرئيس لقوتنا ووحدتنا والتي سوف تقوي وتعزز من المفهوم للإنسانية العظيمة التي هي طريق خلاصنا.